تطوير تشريعات الحد من انبعاثات الكربون


إطار تشريعي متكامل لخفض الانبعاثات الكربونية في الجزائر: رؤية استراتيجية للوفاء بالالتزامات الدولية وتحقيق التنمية المستدامة

مقدمة تنفيذية

يمثل تغير المناخ أحد أبرز التحديات العالمية التي تتطلب استجابة منسقة وفعالة على كافة الأصعدة. وفي هذا السياق، تكتسب جهود


خفض الانبعاثات الكربونية أهمية استراتيجية قصوى، ليس فقط كالتزام أخلاقي تجاه البيئة، بل كضرورة اقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل. لقد تبنت الجزائر، إدراكًا منها لهذا البعد الحيوي، مسارًا للتحول البيئي كخيار استراتيجي يتناغم مع التزاماتها الدولية، وعلى رأسها اتفاق باريس للمناخ. يهدف هذا التقرير إلى تقديم إطار تشريعي متكامل وفعال، يستند إلى تحليل دقيق للوضع الراهن ويقترح آليات مبتكرة، لتمكين الجزائر من تحقيق أهدافها المناخية. يجمع الإطار المقترح بين المبادئ القانونية، والأدوات الاقتصادية، والآليات التكنولوجية، مع التأكيد على أهمية الشراكة والتعاون على المستويين الوطني والدولي.

الجزء الأول: مراجعة وتحليل التشريعات البيئية القائمة

1.1. الإطار القانوني الحالي وتطوره

يستند الإطار التشريعي البيئي في الجزائر إلى تاريخ من التطور المستمر، الذي بدأ مع إصدار أول قانون لحماية البيئة في عام 1983 (القانون 83-03). وقد شكّل هذا القانون الأساس الذي تطورت منه التشريعات اللاحقة، ليتم إلغاؤه واستبداله لاحقًا بالقانون رقم 03-10 المؤرخ في 19 يوليو 2003، المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة. يمثل هذا القانون الركيزة الأساسية للإطار البيئي الحالي، حيث يتبنى مقاربة وقائية، من خلال إخضاع المشاريع لدراسات تقييم الأثر البيئي ، كما ينص على آليات مثل نظام التراخيص للمنشآت المصنفة التي تعتبر مصادر ثابتة للتلوث. وقد شهد هذا الإطار تطورات تكميلية، مثل القانون رقم 01-19 المتعلق بتسيير النفايات، والذي تم تعديله مؤخرًا بهدف تعزيز الاقتصاد الدائري.

1.2. تحليل نقاط القوة والقصور

يتمتع الإطار القانوني الجزائري بعدة نقاط قوة أساسية، تتمثل في وجود قاعدة تشريعية عامة تحمي البيئة ومكوناتها. كما يقر هذا الإطار بمسؤولية المخالفين المدنية والجنائية، ويضمن إمكانية التقاضي ضد الأضرار البيئية. وتمنح التشريعات دورًا قانونيًا للمجتمع المدني، بما في ذلك إبداء الرأي والمشاركة في القضايا البيئية. علاوة على ذلك، يظهر التزام متزايد بمواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية.

ومع ذلك، تواجه هذه التشريعات عدة تحديات جوهرية، أبرزها قصورها في التعامل مع قضية الانبعاثات الكربونية بشكل محدد ومباشر. فالقوانين الحالية هي قوانين "حماية عامة" للبيئة، تنظم حماية الهواء والماء والتربة ، لكنها لا توفر الأدوات المخصصة والمركزة اللازمة لمواجهة تحدي الانبعاثات الكربونية، مثل آليات تسعير الكربون أو الأهداف القطاعية المحددة. هذا يمثل تحولاً جوهرياً في طبيعة التحدي، حيث يتطلب الانتقال من الحماية العامة إلى التخصيص والتركيز على مشكلة محددة جداً.

تتمثل الفجوة الأكثر وضوحًا في الإطار التشريعي في معوقات التطبيق والرقابة. فالمصادر تشير إلى أن آليات مثل تقييم الأثر البيئي تعاني من تحديات في التنفيذ الفعال نتيجة لنقص الخبرات والأشخاص المتخصصين في الإدارة والقضاء. وعلى الرغم من وجود دور قانوني للجمعيات، إلا أن مشاركتها الفعلية تظل محدودة بسبب معوقات قانونية، إدارية ومالية. هذا التباين بين قوة النص القانوني وضعف آليات تنفيذه يقلل من فعالية السياسات البيئية ويبرز أن التحدي ليس في غياب القوانين، بل في غياب "نظام" متكامل لتطبيقها يتضمن بناء القدرات الفنية والرقابة الفعالة.

المجال التشريعيالنصوص القانونية ذات الصلةنقاط القوةنقاط الضعفالتوصيات الأولية للتحديث
الوقايةالقانون 03-10، المرسوم التنفيذي 07-145 (دراسة الأثر البيئي)وجود مبدأ الوقاية كقاعدة أساسيةعدم وجود تركيز خاص على الانبعاثات الكربونيةإصدار تشريع متخصص يحدد الانبعاثات كهدف وقائي رئيسي.
المسؤوليةالقانون 03-10، المرسوم التنفيذي 06-194 (المنشآت المصنفة)إقرار المسؤولية المدنية والجنائيةلا توجد آليات اقتصادية محفزة (مثل تسعير الكربون)إدراج أدوات اقتصادية لمعاملة الانبعاثات كـ"تكلفة".
المشاركةالقانون 03-10، القانون 90-31 (إنشاء الجمعيات)يمنح الجمعيات دوراً استشارياً وحق التقاضيالمشاركة الفعلية محدودة بسبب معوقات قانونية وماليةوضع آليات تمويل ودعم للجمعيات وتفعيل دورها التشاركي.

الجدول 1: تقييم الإطار التشريعي البيئي الجزائري الحالي (القانون 03-10) في سياق مكافحة الانبعاثات.

الجزء الثاني: صياغة أهداف تشريعية واضحة وقابلة للقياس

2.1. الالتزامات الدولية كمرتكز

تعتبر الالتزامات الدولية حجر الزاوية في أي إطار تشريعي وطني يهدف إلى مكافحة التغير المناخي. فالجزائر طرف في اتفاق باريس للمناخ، الذي يهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقاء الزيادة دون درجتين مئويتين مع السعي لحصرها عند 1.5 درجة مئوية. بموجب هذا الاتفاق، تلتزم الدول بتقديم المساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، التي تمثل خطط عمل وطنية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.

تغطي المساهمة المبدئية للجزائر (INDC)، التي تم تقديمها عام 2015، الفترة 2021-2030 وتستهدف قطاعات حيوية مثل الطاقة، الصناعة، النقل، والزراعة. ومع اقتراب موعد الجولة القادمة من المساهمات المحددة وطنياً (NDC 3.0)، المقرر تقديمها في أوائل عام 2025 ، تتاح للجزائر فرصة استراتيجية لتحديث إطارها التشريعي بما ينسجم مع أهداف أكثر طموحًا. هذا التوقيت يعد حاسماً، خاصة في ظل تنفيذ مشاريع مثل "الحوكمة المناخية 2" المدعوم من الاتحاد الأوروبي وألمانيا، والذي يهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية في هذا المجال.

2.2. الأهداف الكمية والقطاعية المقترحة

لتحويل الالتزامات إلى واقع، يجب أن يتضمن الإطار التشريعي أهدافاً واضحة وقابلة للقياس (KPIs)، على أن تُحدد بأطر زمنية محددة. ينبغي أن يتم ذلك بالتركيز على القطاعات ذات الانبعاثات الأكبر، مع الأخذ في الاعتبار تجارب الدول الأخرى. فعلى سبيل المثال، تظهر التجربة الألمانية تقدماً ملحوظاً في خفض انبعاثات قطاع الطاقة بفضل زيادة حصة الطاقة المتجددة التي شكلت 54% من استهلاك الكهرباء. لكن في المقابل، واجهت ألمانيا تحديات في قطاعي النقل والبناء، اللذين لم يحققا الأهداف المحددة. هذا يوضح ضرورة وجود أهداف تشريعية "قطاعية" محددة، بدلاً من الأهداف الوطنية العامة، لضمان معالجة الفجوات المحتملة في الأداء.

لذلك، يُقترح أن يحدد التشريع الجديد أهدافاً قطاعية على النحو التالي:

  • قطاع الطاقة: تحديد هدف لزيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، مع وضع خطة واضحة للتوقف التدريجي عن الاعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء.

  • قطاع النقل: وضع أهداف لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من النقل، التي غالبًا ما تتأخر عن القطاعات الأخرى. يمكن تحقيق ذلك من خلال تشريعات تدعم استخدام المركبات الكهربائية وتطوير البنية التحتية للنقل العام المستدام.

  • قطاع الصناعة: استهداف الصناعات كثيفة الانبعاثات مثل الصلب والكيماويات ، عبر تشريعات تحفز على تبني تقنيات الإنتاج منخفض الانبعاثات.

  • الزراعة والغابات: وضع آليات تشريعية لتعزيز الزراعة المستدامة وزيادة الرقعة الغابية، لما لها من دور في تعزيز مصارف الكربون الطبيعية.

القطاعالانبعاثات الحالية (تقديري)هدف الخفض لعام 2030هدف الخفض لعام 2050الإجراءات التشريعية المقترحة
الطاقة(بيانات تقديرية)خفض من الانبعاثاتالوصول إلى الحياد الكربونيتشريعات داعمة للطاقة المتجددة، تسعير الكربون، إنهاء دعم الوقود الأحفوري.
النقل(بيانات تقديرية)خفض من الانبعاثاتخفض من الانبعاثاتوضع معايير لانبعاثات المركبات، حوافز للمركبات الكهربائية، استثمارات في النقل العام.
الصناعة(بيانات تقديرية)خفض من الانبعاثاتالوصول إلى الحياد الكربونيعقود الفروقات الكربونية، دعم التحول نحو تقنيات نظيفة، آليات تسعير الكربون.
الزراعة والغابات(بيانات تقديرية)زيادة المصارف الكربونية بـ زيادة المصارف الكربونية بـ حوافز مالية للمزارعين، تشريعات لإدارة الأراضي، دعم برامج التشجير.

الجدول 2: أهداف مقترحة لخفض الانبعاثات الكربونية في الجزائر بحلول 2030 و 2050 (حسب القطاع).

الجزء الثالث: آليات التنفيذ والرقابة

3.1. الأدوات الاقتصادية المبتكرة

يجب أن تتجاوز التشريعات المقترحة المقاربة التقليدية القائمة على العقوبة، وأن تتبنى أدوات اقتصادية مبتكرة توفر حوافز مالية للتحول. تشير المصادر إلى أن آليات تسعير الكربون، مثل ضريبة الكربون أو نظام تداول الانبعاثات (ETS)، تُعتبر من أهم الأدوات الفعالة في هذا المجال.

  • ضريبة الكربون: تفرض رسومًا محددة على كل طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعث، مما يرفع تكلفة الانبعاثات ويشجع الشركات على خفضها.

  • نظام تداول الانبعاثات (ETS): يضع سقفًا إجماليًا للانبعاثات المسموح بها ويمنح الشركات تصاريح قابلة للتداول، مما يسمح للسوق بتحديد سعر الكربون بناءً على العرض والطلب. الصين لديها أكبر نظام تداول للانبعاثات في العالم، وقد أظهرت دراسات فعاليته في خفض انبعاثات الشركات، على الرغم من أن أسعار الكربون لا تزال منخفضة نسبياً.

إن الانتقال من التعامل مع التلوث كـ"ضرر" بيئي يستوجب عقوبة، إلى التعامل معه كـ"تكلفة" اقتصادية يجب على الملوث تحملها، يمثل تحولاً جوهرياً في الفلسفة التشريعية. هذه المقاربة توفر حافزًا مستمرًا للشركات لخفض الانبعاثات بشكل مستقل عن الإعانات الحكومية، وتسرع من التحول نحو الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، يجب التعامل بحذر مع التحديات الاجتماعية لهذه الآليات. فضرائب الكربون وأسواقها قد تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الفقيرة، مما يستلزم إقرار برامج حماية اجتماعية مصاحبة للإصلاح التشريعي.

3.2. الحوافز والمحفزات

تعتبر الحوافز المالية أداة استراتيجية فعالة لتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في خفض الانبعاثات. يمكن للتشريعات أن تتضمن:

  • إعانات مباشرة وتمويل ميسر: لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة وتقنيات كفاءة الطاقة.

  • إعفاءات ضريبية وجمركية: على المعدات والتجهيزات الخاصة بالتقنيات النظيفة.

  • عقود الفروقات الكربونية (Carbon Contracts for Difference): وهي أداة مبتكرة تستخدمها ألمانيا لتعويض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة عن التكلفة الإضافية للتحول إلى الإنتاج النظيف.

3.3. العقوبات الرادعة

لضمان الالتزام، يجب تطوير الإطار العقابي القائم. يُقترح وضع عقوبات مالية وإدارية تصاعدية، مرتبطة بمستوى الانبعاثات وتجاوز الأهداف المحددة، لتعمل كعامل ردع فعال.

3.4. إطار الرقابة والتحقق (MRV)

لا يمكن لأي سياسة أن تكون فعالة دون وجود نظام قوي للقياس والإبلاغ والتحقق (MRV). يجب أن ينص الإطار التشريعي على إنشاء هيئة أو آلية مستقلة مسؤولة عن جمع البيانات، تحليلها، والإبلاغ عن التقدم المحرز بشكل دوري، مع ربط هذا النظام بآليات تسعير الكربون لضمان الشفافية والمصداقية.

الآليةالمبدأالمزاياالتحدياتملاءمتها للسوق الجزائرية
ضريبة الكربونفرض رسوم على كل طن من الكربون المنبعث.بساطة التطبيق، إيرادات حكومية إضافية يمكن إعادة استثمارها.قد تؤثر على الفئات الفقيرة، تحتاج إلى دعم سياسي قوي.مناسبة كمرحلة أولى، مع ضرورة وضع برامج حماية اجتماعية.
نظام تداول الانبعاثات (ETS)تحديد سقف للانبعاثات وترك السوق يحدد السعر.يضمن تحقيق هدف خفض الانبعاثات، يحفز الابتكار بشكل مستمر.تعقيد تقني وإداري، تذبذب الأسعار، يتطلب نظاماً قوياً للرقابة.تتطلب بناء قدرات وتجربة في الأسواق المالية، يمكن تطبيقها تدريجياً.

الجدول 3: تحليل مقارن لآليات تسعير الكربون.

الجزء الرابع: دمج التكنولوجيا والابتكار

4.1. الإطار التشريعي للطاقة المتجددة

تعتبر الطاقة المتجددة ركيزة أساسية لخفض الانبعاثات، ويجب أن يدعمها إطار تشريعي محكم. يمكن للجزائر الاستفادة من تجارب دولية ناجحة في هذا المجال. على سبيل المثال، توضح القوانين الأردنية ضرورة وجود آليات مثل "قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة" الذي يشمل قواعد لربط أنظمة الطاقة المتجددة بالشبكة الكهربائية باستخدام "عدادات صافي القياس". هذه القواعد تضمن للمنتجين الصغار والخاصين إمكانية دمج فائض الطاقة في الشبكة، مما يشجع الاستثمار الخاص ويسرع من التحول الطاقي.

4.2. دعم الابتكار الأخضر والشركات الناشئة

يجب أن تتجاوز التشريعات مجرد التنظيم لتشجيع الابتكار في التقنيات النظيفة. يمكن أن يستلهم الإطار التشريعي الجزائري من الاستراتيجية الوطنية للابتكار في الإمارات العربية المتحدة، والتي تركز على دعم حاضنات الابتكار وبناء القدرات الوطنية في مجالات العلوم والتكنولوجيا. كما ينبغي أن يقدم التشريع الجديد حوافز للشركات الناشئة في مجال "التكنولوجيا الخضراء" التي أظهرت قدرة على تقديم حلول مبتكرة.

إن التحول التشريعي من مجرد التنظيم إلى خلق بيئة حاضنة للابتكار يحفز الاستثمار الخاص ويخلق وظائف خضراء جديدة. هذا لا يساهم فقط في خفض الانبعاثات، بل يدعم أيضاً تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

المبادرة التشريعيةالهدفالجهة المسؤولةنموذج دولي للاقتداء به
تحديث قانون الطاقة المتجددةتسهيل دمج الطاقة المتجددة في الشبكة وتفعيل عدادات صافي القياس.وزارة الطاقة، هيئة تنظيم الكهرباء.

الأردن

قانون الشركات الناشئة الخضراءتقديم حوافز ضريبية ومالية للشركات الناشئة في مجال التقنيات النظيفة.وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، وزارة المالية.

الإمارات العربية المتحدة

صندوق تمويل الابتكار الأخضرإنشاء صندوق لتمويل مشاريع الأبحاث التطبيقية في مجال الطاقة النظيفة.وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الصندوق الجزائري لتمويل المؤسسات الناشئة.

(ألمانيا، عقود الفروقات)

الجدول 4: مبادرات تشريعية مقترحة لدعم الابتكار والتقنيات النظيفة.

الجزء الخامس: التنسيق والتعاون الدولي

5.1. تعزيز دور الجزائر في الساحة الدولية

تلتزم الجزائر بتعزيز قدراتها الوطنية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتطوير آليات التكيف مع آثار تغير المناخ. ويُعد مشروع "الحوكمة المناخية 2" نموذجًا رائدًا للتعاون الدولي، حيث يترجم الالتزامات العامة إلى شراكات ملموسة مع جهات مثل الاتحاد الأوروبي وألمانيا. يركز هذا المشروع على محاور أساسية مثل التمويل المناخي، التخفيف من الانبعاثات، وتعزيز دور المجتمع المدني والبحث العلمي. إن هذا الانتقال من الالتزام العام إلى الشراكة الملموسة يوفر الدعم المالي والخبرة الفنية اللازمة لتجاوز التحديات التي تعيق تنفيذ القوانين، ويجعل التعاون الدولي رافعة أساسية لتطبيق السياسات على أرض الواقع.

5.2. التمويل المناخي

يجب أن يدمج الإطار التشريعي الجديد آليات لاستقطاب التمويل المناخي من الجهات الدولية، مثل صندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمي. فالتمويل المناخي ضروري لتمكين الدول النامية من تنفيذ مشاريع التخفيف والتكيف. يمكن للتشريعات أن تسهل شروط تلقي هذه الأموال، ووضع أطر لضمان شفافية استخدامها وفعاليتها.

الجزء السادس: المشاركة المجتمعية والشراكة مع القطاع الخاص

6.1. تمكين القطاع الخاص

يعد القطاع الخاص شريكًا أساسيًا وفاعلاً في عملية التحول البيئي. تشير الأدلة إلى أن استثماراته في الخدمات البيئية تتزايد بشكل ملحوظ. يجب أن ينص الإطار التشريعي على آليات واضحة لتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع البيئية الكبرى، مثل مشاريع الطاقة المتجددة وإدارة النفايات.

6.2. تفعيل دور المجتمع المدني

على الرغم من أن القانون 03-10 يمنح الجمعيات البيئية أدواراً استشارية، إعلامية، وحق التقاضي ، إلا أن فعاليتها الفعلية لا تزال محدودة. يجب أن يهدف التشريع الجديد إلى تجاوز الدور التقليدي للجمعيات كـ"جهة رقابية" إلى "شريك فعلي" في التخطيط والتنفيذ. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

  • مراجعة القوانين المنظمة لعمل الجمعيات لتبسيط الإجراءات الإدارية والمالية.

  • وضع برامج دعم مالي وتدريبي لتعزيز قدرات الجمعيات.

  • إلزام الجهات الحكومية باستشارة الجمعيات في صياغة السياسات والمشاريع البيئية.

إن دمج الأهداف الاجتماعية مثل تمكين المرأة والشباب في مبادرات الاقتصاد الأخضر، كما هو الحال في مشروع "الحوكمة المناخية 2" ، يضمن أن التحول البيئي ليس مجرد عملية فنية، بل عملية تنموية شاملة تحظى بقبول مجتمعي أوسع وتساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل متكامل.

خاتمة وتوصيات استراتيجية

يُظهر التحليل أن الإطار التشريعي البيئي في الجزائر، على الرغم من صلابته في مبادئه العامة، يحتاج إلى تحديث جذري ليصبح أداة فعالة في مواجهة التحديات النوعية للانبعاثات الكربونية. هناك فرصة استراتيجية للبناء على الالتزامات الدولية والمشاريع القائمة لإحداث نقلة نوعية.

بناءً على ما تقدم، يوصى بالآتي:

  1. المراجعة الشاملة للإطار التشريعي: إصدار "قانون إطار" مخصص لخفض الانبعاثات الكربونية، يدمج الأدوات الاقتصادية وآليات التكنولوجيا والابتكار.

  2. إقرار آلية تسعير الكربون: البدء بدراسة جدوى تفصيلية لتبني نظام تداول الانبعاثات أو ضريبة الكربون، مع وضع خطة لبرامج حماية اجتماعية مصاحبة.

  3. دعم الابتكار والتحول الطاقي: وضع حوافز واضحة للاستثمار في الطاقات المتجددة والشركات الناشئة، مع تحديث قواعد توصيل الشبكة الوطنية لضمان التكامل الفعال.

  4. تعزيز الحوكمة التشاركية: مراجعة القوانين المنظمة لعمل القطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز دورهما من مجرد "رقابة" إلى "شراكة" حقيقية في التخطيط والتنفيذ.

  5. تطوير منظومة الرقابة: الاستثمار في بناء القدرات التقنية والمؤسسية لإنشاء نظام قوي للقياس والإبلاغ والتحقق (MRV)، بما يضمن الشفافية والمصداقية.

إن التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون في الجزائر يجب أن يكون عملية متكاملة، لا تقتصر على الجانب البيئي فقط، بل تشمل الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والحوكمة، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة للأجيال القادمة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Random Posts

اعلان ادسنس نهاية المقال

نموذج الاتصال