هذا الطفلُ الصغيرُ خُلِقَ مِن ماءٍ مهينٍ، من نطفةٍ صغيرةٍ، هذه النطفةُ لا تُرَى بالعينِ، أربعمئة مليونٍ من النطاف تنطلقُ مِنَ الرَّجُلِ، وكلُّ نطفة لها رأسٌ، ولها عُنُقٌ، ولها ذيلٌ، وهي تسْبحُ، وفي رأسِها مادةٌ مُغَطَّاةٌ بغشاءٍ رقيقٍ، إذا اصطدمتْ بالبيضَةِ تَمَزَّقَ الغشاءُ، وساهمتْ هذه المادةُ في إذابةِ جدارِ البَيْضَةِ، والدخولِ إليها، دَخَلَت النطفة إلى البيضةِ، فانقسمتْ إلى عددٍ كبيرٍ، وهي في طريقِها إلى الرَّحِمِ، دونَ أنْ يزدادَ حجمُها، فَخَلْقُ الإنسانِ معجزةٌ. بعد أنْ يُولَدَ الإنسانُ يكونُ في دماغِه مئةٌ وأربعون مليارَ خليةٍ استناديةٍ، ويكون فيه أيضاً أعصابٌ، وعظامٌ، وقلبٌ، وشرايينُ، ورئتان، ومعدةٌ، وأمعاء، وسمعٌ، وبصرٌ، وشفتان، ولسان، وعضلاتٌ، وأعضاء، وشَعر، وجلد، ومسام، وغددٌ دهنية، وغدد عرقية، هذا المخلوقُ الصغيرُ معجزةٌ، فخَلْقُ هذا الطفلِ مِن نطفةٍ، ومن بَيضةٍ معجزةٌ من أعظم المعجزات. النباتُ، هذه الورقةُ لا يرقى إلى مستواها أعظمُ معملٍ صَنَعَه الإنسانُ على وجهِ الأرضِ، إنها معملٌ صامتٌ، يأخذُ مِنَ التربةِ الماءَ والمعادنَ، ويضخُّ هذا الماءَ إلى أعالِي الشجرةِ، هذه الورقةُ فيها اليخضورُ، تأخذُ من الهواءِ ثانيَ أكسيدِ الكربونِ، وتأخذُ من الشمسِ "الفوتونَ"، وتأخذُ مِن أملاحِ الحديدِ خوَاصَّهُ الوسطيةَ، وتصنعُ النُّسغَ النازلةَ، هذا النُّسْغُ النازلُ هو الذي يصنعُ الجذعَ، والأغصانَ، والفروعَ، والجذرَ، والثمارَ، والفواكهَ. مَنْ علَّم هذا؟ كيف أَودعَ اللهُ كلَّ هذه الصفاتِ في البذرةِ؟ النباتُ معجزةٌ، الحيوانُ معجزةٌ، مليونُ نوع مِنَ السمكِ في البحارِ، أحدث رقم في وزن الحوت مئةٌ وثمانون طنًّا، رضعتُه الواحدة ثلاثمئة كيلو غرام، ثلاثُ رضعاتٍ تساوي طنًّا كلَّ يومٍ، هذا بعضٌ من المعلومات عن الحوت أمَّا البعوضةُ الصغيرةُ التي ذكرها اللهُ عز وجل في قوله: {إِنَّ الله لَا يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] . ففيها جهازُ رادارٍ، وجهازُ تمييعٍ للدمِ، وجهازُ تخديرٍ، وجهازُ تحليلٍ، أربعةُ أجهزةٍ، وهذه البعوضةُ يرفُّ جناحاها مئاتِ المرات في الثانيةِ الواحدةِ، ولها ثلاثةُ قلوبٍ، قلبٌ مركزيٌّ، وقلبٌ لكلِّ جناحٍ، ولأرجُلِها محاجمُ لتقفَ على السطوحِ الملساءِ، ومخالبُ لتقفَ على السطوحِ الخشنةِ، {إِنَّ الله لَا يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} . البعوضةُ معجزةٌ، الخروفُ معجزةٌ، البقرةُ معجزةٌ، الدجاجةُ معجزةُ، خَلْقُ الإنسانِ معجزةٌ، أنواعُ الفواكهِ والثمارِ معجزةٌ، الشمسُ معجزةٌ، فهي تبعدُ عنا مئةً وستةً وخمسين مليونَ كليو مترٍ، ومع ذلك نستدفئ بحرارتِها، ونستضيءُ بضوئِها، ولو أُلْقِيَتِ الأرضُ في جوفِها لتبخرتْ في ثانيةٍ واحدةٍ. الكونُ كلُّه معجزةٌ، أفيصعُبُ على اللهِ عزوجل أنْ يَنقُلَ النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ، ويُلغيَ بُعْدَ المكانِ، وبُعْدَ الزمانِ؛ أنْ ينقلَه من مكةَ إلى بيتِ المقدسِ، وأنْ يعرجَ به إلى السماءِ، لو تعمَّقتُم في الكونِ لرأيتُمْ أنّ الأشياءَ المألوفةَ، وغيرَ المألوفةِ هي في قدرةِ اللهِ سواءٌ، تماماً، ولرأيتم أنّ الأشياءَ المألوفةَ، وغيرَ المألوفةِ هي في الأصلِ كلُّها معجزةٌ.
0 تعليقات