Hot Posts

6/recent/ticker-posts

قَالَ الشيخ هؤلاء قوم ينسبون إِلَى رجل يقال لَهُ سوفسطا زعموا أن الأشياء لا حقيقة لها وأن مَا يستبعده يجوز أن يكون عَلَى مَا نشاهده ويجوز أن يكون عَلَى غير مَا نشاهده وَقَدْ أورد العلماء عليهم بأن قالوا لمقالتكم


 

 ‌‌ذكر تلبيسه عَلَى السوفسطائية.1

قَالَ الشيخ هؤلاء قوم ينسبون إِلَى رجل يقال لَهُ سوفسطا زعموا أن الأشياء لا حقيقة لها وأن مَا يستبعده يجوز أن يكون عَلَى مَا نشاهده ويجوز أن يكون عَلَى غير مَا نشاهده وَقَدْ أورد العلماء عليهم بأن قالوا لمقالتكم هذه حقيقة أم لا فَإِن قلتم لا حقيقة لها وجوزتم عليها البطلان فكيف يجوز أن تدعوا إِلَى مَا لا حقيقة لَهُ فكأنكم تقرون بهذا القول أنه لا يحل قبول قولكم وإن قلتم لها حقيقة فقد تركتم مذهبكم وقد ذكر مذهب هؤلاء أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُوسَى النوبختي فِي كتاب الآراء والديانات فَقَالَ رأيت كثيرا من المتكلمين قد غلطوا فِي أمر هؤلاء غلطا بينا لأنهم ناظروهم وجادلوهم وراموا بالحجاج والمناظرة الرد عليهم وهم لم يثبتوا حقيقة ولا أقروا بمشاهدة فكيف تكلم من يَقُول لا أدري أيكلمني أم لا وَكَيْفَ تناظر من يزعم أنه لا يدري أموجود هو أم معدوم وَكَيْفَ تخاطب من يدعي أن المخاطبة بمنزلة السكوت فِي الإبانة وأن الصحيح بمنزلة الفاسد قَالَ ثم إِنَّهُ إنما يناظر من يقر بضرورة أَوْ يعترف بأمر فيجعل مَا يقر سببا إِلَى تصحيح مَا يجحده فأما من لا يقر بذلك فمجادلته مطروحة قَالَ الشيخ وَقَدْ رد هَذَا الكلام أَبُو الوفاء بْن عقيل فَقَالَ إن أقواما قالوا كيف نكلم هؤلاء وغاية مَا يمكن المجادلة أن يقرب المعقول إِلَى المحسوس ويستشهد بالشاهد فيستدل به عَلَى الغائب وهؤلاء لا يقولون بالمحسوسات فبم يكلمون قَالَ وهذا كلام ضيق العطن ولا ينبغي أن يوئس عَن المعالجة هؤلاء فَإِن مَا اعتراهم ليس بأكثر من الوسواس ولا ينبغي أن يضيق عطننا من معالجتهم فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج وما مثلنا ومثلهم إلا كرجل رزق ولدا أحول فلا يزال يرى القمر بصورة قمرين حتى إِنَّهُ لم يشك أن فِي السماء قمرين فَقَالَ لَهُ أبوه القمر واحد وإنما السوء فِي عينيك غض عينك الحولاء وأنظر فلما فعل قَالَ أرى قمرا واحدا لأني عصبت إحدى عيني فغاب أحدهما فجاء من هَذَا القول شبهة ثانية فَقَالَ لَهُ أبوه إن كان ذلك كَمَا ذكرت فغض الصحيحة ففعل فرأى قمرين فعلم صحة مَا قَالَ أبوه.
أنبأنا نا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْحَسَن بْن أَحْمَدَ بْن البنا ثنا ابْن دودان نا أبو عبد الله المرزناني ثني أَبُو عَبْد اللَّهِ الحكيمي ثني يموت بْن المزرع ثني مُحَمَّد بْن عِيسَى النظام قَالَ مات ابْن لصالح بْن عَبْدِ القدوس فمضى إليه أَبُو الهذيل ومعه النظام وَهُوَ غلام حدث كالمتوجع لَهُ فرآه منحرفا فَقَالَ لَهُ أَبُو الهذيل لا أعرف لجزعك وجها إذا كان الناس عندك كالزرع فَقَالَ لَهُ صالح يا أبا الهذيل إنما أجزع عَلَيْهِ لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك فَقَالَ لَهُ أَبُو الهذيل وما كتاب الشكوك قَالَ هو كتاب وضعته من قرأه يشك فيما قد كان حتى يتوهم أنه لم يكن وفيما لم يكن حتى يظن أنه قد كان فَقَالَ لَهُ النظام فشك أنت فِي موت ابنك واعمل عَلَى أنه لم يمت وإن كان قد مات فشك أيضا فِي أنه قد قرأ الْكِتَاب وإن كان لم يقرأه وحكى أَبُو القاسم البلخي أن رجلا من السوفسطائية كان يختلف إِلَى بعض المتكلمين فأتاه مرة فناظره فأمر المتكلم بأخذ دابته فلما خرج لم يرها فرجع فَقَالَ سرقت دابتي فَقَالَ ويحك لعلك لم تأتي راكبا قَالَ بلى قَالَ فكر قَالَ هَذَا أمر أتيقنه فجعل يَقُول لَهُ تذكر فَقَالَ ويحك ويحك مَا هَذَا موضع تذكر أنا لا أشك أنني جئت راكبا قَالَ فكيف تدعي أنه لا حقيقة لشيء وإن حال اليقظان كحال النائم فوجم السوفسطائي ورجع عَنْ مذهبه

 

اعلم أن السوفسطائية انقسمت ثلاث مذاهب: الأول ينكر حقائق الأشياء ويزعم أنها أوهام وهم العنادية والثاني ينكر العلم بثبوت الشيء ولا بعدم ثبوته ولا ينكر نفس الحقائق ولا يثبتها ويزعم أنه شاك وشاك في أنه شاك وهم اللاأدرية والثالث يزعم أن الحقائق تابعة للاعتقادات مع كونه ينكر ثبوتها وهم العندية وهي مذكورة في كلام المصنف على هذا الترتيب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تلبيس إبليس، المؤلف: جمال الدين الجوزي، ص38

 

إرسال تعليق

0 تعليقات